قضايا يكرهها الناس
عبد اللّه بن مبارك الخاطر
الناس يكرهون النصيحة في العلن:
لا يختلف اثنان في أن النصيحة في العلن يكرهها الناس؛ لأن كل الناس يكرهون أن تُبْرَز عيوبهم أمام غيرهم، كل الناس؛ مسلمهم وكافرهم لا يحبون أن يُنْصَحوا في العلن، ولكن إذ أُخِذ الرجل جانباً ونُصِح على انفراد فإن ذلك أدعى للقبول، وأدعى لفهم المسألة، ولأحبَّك الرجل؛ لأنك قدمت إليه معونة، وأسديت إليه خدمة، بأن نصحته وصححت خطأه. ويُعَبِّر الإمام الشافعي – رحمه الله – عن ذلك بقوله:
تعَمَّدْني بنُصْحك في انْفــرادي *** وجَنِّبْني النصيحةَ في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوعٌ منَ *** التوبيـخ لا أرضى استمــــــاعه
فإن خالَفْتني وعصيْتَ قـــولي *** فلا تجْــزَع إذا لم تُعْطَ طاعة
أي: إذا أنت خالفتني في أمر من الأمور وجئت بنصيحتي أمام الناس، فلا تغضب ولا تتضايق إذا لم أستجب لك ولم أطعك؛ هذه طبيعة النفس البشرية إلا من تجرد ووصل إلى حد من التجرد؛ بحيث يقبل النصيحة وإن كان ينزعج أيضاً للأسلوب، وكم من الناس عندهم ذلك التجرد؟!
وكذلك بعض الناس يريد أن تكون النتائج فورية؛ فيُحِبُّ من الناس أن يغيِّروا ما بهم بمجرد أن يُنصَحوا. يريد أن ينصح في المجلس، ويريد أن يستجيب الناس ويغيروا ما بهم في ذلك المجلس! فيكون مخطئاً في تقديره وغير فاهم لطبيعة البشر، إذا لا بد أن يأخذ الناس فترة كافية للتفكير، وفرصة مناسبة للانسحاب.
الناس يكرهون الأسلوب المباشر في النقد:
الناس كل الناس، لا يحبون أن تقال لهم الأوامر مباشرة: افعل كذا، لا تفعل كذا. فطبيعة البشر تأبى ذلك، نعم قد ينفذ الشخص الأمر الموجه، لكن لو قدم له هذا الأمر بطريقة ألطف فإن ذلك أدعى للقبول، حتى ولو كان الأمر من رئيس إلى مرؤوسيه.
وعلى الرغم من أن أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأقواله كان منها أوامر مباشرة إلى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يستخدم أساليب أخرى مثل أسلوب الخبر: يقدم الخبر فيفهم الناس ماذا يريد.
ومن ذلك ما ورد في قصة القوم الفقراء الذين جاؤوا وكانوا كلهم من مُضَر، وتأثر الرسول - صلى الله عليه وسلم - لحالهم من الفقر، فقام وخطب الناس، ثم قال: "تَصَدَّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع تمره"(1). تصدق صيغة ماضٍ. لم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم -: تصدقوا، بل قال: تصدِّق من صاع تمره.. فجاء رجل من الأنصار بصُرَّة كادت تعجز يده عن حملها؛ بل عجزت، وقدمها للرسول - صلى الله عليه وسلم - فاستهل وجهه، وقام الناس وتصدقوا حتى أصبح عنده كومة من الصدقات، وفرح الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: "من سن في الإسلام سنة حسنة.. الحديث"(2).
هناك قضايا لم يأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيها أمراً مباشراً، وإنما تكلم بصيغة الخبر، كما في ذلك الحديث حيث قال: تَصَدَّق، ثم بعد أن فعل الرجل كافأه بتشجيعه، فقال: من سن سنة حسنة.. وهذا يؤدي إلى دعم العمل الصالح.
وهناك أمثلة لمرويات في البخاري: جمع رجل عليه ثوبه – صلى رجل في إزار ورداء – يعني: صلوا في إزار ورداء. فهناك فرق بين أن تطرح الأمر أو تطرح الرأي.
والصيغة لها دور: فرقٌ بين أن يقول أحد المسؤولين: أنا أرى أن (أ) أفضل من (ب)، فيستجيب الموظفون ويطبقون (أ). وبين أن يقول: (أ) أفضل فطبِّقوها. وهناك مثال قد يكون أكثر إيضاحاً: مدرس يريد أن ينقل طاولته، ويريد من الطلبة أن ينقلوها معه، فهناك فرق بين أن يقول: ما رأيكم لو نقلنا الطاولة هذه إلى مكان كذا، أو أن يقول: انقلوا معي الطاولة إلى مكان كذا. فطريقة السؤال أدعى للقبول، وإن كانت النتيجة قد تتساوى في الحالتين.
والقضية الأخرى هي أن تُشْعِر الإنسان بمحبة الأمر حين تعطيه إياه؛ وكان ذلك هو دأب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكان يشوِّق الناس لما سوف يأمرهم به، فلما أراد أن يسيِّر جيشاً، قال: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله"(3). فصار كل فرد يتمنى أن يكون ذلك الرجل. وكما نصح - صلى الله عليه وسلم - أحدَ أصحابه بقوله: "إني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمَّرن على اثنين"(4). فهو يُضَمِّن الأمر نقاطاً تجعل المأمور يحب الأمر. وكذلك فإن قول رئيس لمن يأمره: كلي ثقة بأنك قادر على التنفيذ، أدعى للتنفيذ من قوله: افعل كذا وكذا؛ فالمأمور يريد أن يكون عند الثقة التي أولاها له رئيسه؛ فلا يكون داعيةً طيباً، ولا زوجاً طيباً إلا إذا كان أسلوبه طيباً.
ولقد ثبت بالتجربة أن التنفيذ يكون جيداً إذا فهم المرؤوسون فكرة الرئيس، بأن فهموا الفكرة وعرفوا غاياتها؛ فيزداد الحماس لها، وأيضاً إذا اعتبر المنفذون القضية العامة قضيتهم الشخصية. وكون الإنسان يصل بالناس إلى أن يجعل القضية محل التعامل رغبةً من رغباتهم يدل دلالة واضحة على أنه: داعية جيد، بل زوج جيد، بل هو – كائناً من كان – إنسان جيد.
وإذا بعض الناس ضيوفاً إلى بيته، فإن هناك فرقاً بين أن يأمر زوجته أمراً مباشراً بقوله: اطبخي كذا، ثم يعقب لعد ذلك بالتركيز على السلبيات فيقول: نسيتم البرتقال، لماذا لم تحضروا كذا – نعم هناك فرق بين ذلك – وبين أن يقول: إن ضيوفاً سوف يأتون إلينا، ونريد أن تبيِّضوا وجوهنا، ولا تنسوا أن قضية الطعام هي انعكاس لأهل البيت؛ فتشعر الزوجة عندئذ أن المسألة قضية شخصية، وأن إتقان العمل انعكاس لوضعها في البيت؛ فيكون ذلك أدعى إلى الإتقان.
وكذلك فإن إبراز دور المأمور يعطي نتائج طيبة. فقد حدَّث أحد القادة جنوده قائلاً: إنكم ستتركون مهاجعكم في وضعية ممتازة حتى أتمكن من تقديمها كمثل صالح للجنود الجدد، ولقد كنتم جنوداً ممتازين، وستظلون كذلك حتى آخر لحظة. لقد جعل القائد قضية ترتيب المهاجع وتنظيفها قضيةً شخصيةً للجنود، وكانت النتيجة أنهم تركوا السكن في اليوم التالي في أحسن حال وأجمل حلة.
الناس يكرهون من يركز على السلبيات دون الحسنات:
الناس يكرهون الإنسان الذي ينظر إلى عيوبهم ويترك الحسنات بل وأحياناً ينساها.
خذ مثلاً علاقة المرأة المسلمة بزوجها المسلم والتي يمكن أن يعمم مغزاها في كل قضايا التعامل. يقول - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر"(5). فما أحد يسلم من العيوب؛ فلا توجد زوجة بلا عيوب، ولا صديق بلا عيوب، ولا رئيس ولا مرؤوس بلا عيوب، يقول سعيد بن المسيب: "ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا فيه عيب؛ ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه". فمن كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله، ولا تذكر عيوب أهل الفضل تقديراً لهم. يقول الشاعر:
لا يُزْهِدنَّك في أخٍ لكَ *** أنْ تـــــــــــراهُ زَلَّ زلــــَّـهْ
ما مِنْ أخٍ لك لا يُعابُ *** ولو حَرِصتَ الحِرْصَ كُلَّهْ
وقد نكره أشياء في بعض الناس، ولكن عندما نفتقدهم ونخالط من هم أسوأ منهم ندرك الخير الذي كان فيهم ولم نعبأ به.
يقول الشاعر:
بكيت من عمرٍو فلما تركته *** وجربت أقواماً بكيت على عمرِو
وفي كتاب: "لمحات في فن القيادة" لكورتو وهو عسكري، وقد ضمَّن كتابه خبرات يمكن الاستفادة منها. يقول في كتابه: "هنا طريقتان للحياة: طريقة سلبية قائمة على رؤية مساوئ الرجال والأعمال، تُرى الأخطاء ليس لإصلاحها بل لاستغلالها بشكل هدام والعودة إليها بمناسبة وبدون مناسبة، وطريقة أخرى تنظر إلى الأمور بعين الرضا وتبحث عن محاسن الرجال لتنميتها وتحسينها، وترحم ضعفهم وأخطاءهم، وتعمل على إصلاحها".
والرسول - صلى الله عليه وسلم - يعطينا المثل فيُذَكِّر بفضل الأنصار؛ لأن البشر بطبعهم ينسون الحسنات. فقد أخرج "البخاري" قوله - عليه الصلاة والسلام -: "أوصيكم بالأنصار؛ فإنهم كرشي وعيبتي. (يعني بطانتي وخاصتي) فقد قضوا الذي عليهم. (يقصد أنهم وفوا بما تعهدوا به في بيعة العقبة) وبقي الذي لهم؛ فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم"(6) إن هذا قمة الإنسانية والعدل.
هناك أناس إذا قدم لهم مسؤول أو موظف معروفاً فسرعان ما ينسون المعروف وصاحبه بعد تقاعده، ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يؤكد أن الذي أدى المعروف وهو من أهل الفضل يُذكر فضله ويُغض الطرف عن مساوئه.
الناس يكرهون من لا ينسى الزلات:
الناس يبغضون من لا ينسى زلاتهم، ولا يزال يُذكِّر بها ويَمُنّ على من عفا عنه؛ فالناس يكرهون ذلك الإنسان الذي يذكِّر الناس بأخطائهم، ويعيدها عليهم مرة بعد مرة، والله يقول: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) (آل عمران: من الآية134). إنه سبحانه يمتدح الذين يعفون عن الناس وينسون أخطاءهم؛ والذي أُسْدِيَ إليه المعروف لا ينساه، والعافي عن الناس يستر من يعفو عنه.
ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة"(7). وهذا حديث صحيح.
وهناك مثل أضربه لكم: في مجلس لحاكم قديم شم الحاكم ريحاً من أحد الجالسين، فقال: عزمت عليك أن تخرج – يقصد من أخرج الريح وهو لا يعرفه – وتتوضأ. فقال رجل عالم فاضل: بل اعزم علينا جميعاً فنقوم ونتوضأ. فعزم عليهم وقاموا، وانتهت القضية. إن هذا الموقف الحكيم معروف كبير وإحسان تجاه الشخص الذي أخرج الريح، فقد انتشله من موقف صعب.
الناس يكرهون من يعاملهم باستعلاء:
الناس يكرهون من يعاملهم باحتقار واستعلاء مهما كان هذا الإنسان، حتى لو كان من كان: داعية – عالماً – معلماً – لأنهم لا يحبون مَنْ ينظر إليهم نظرة استعلاء، ولذلك كان هناك حث على أن يكون الإنسان متواضعاً، وإن كان في مقام التعليم أو الرئاسة.
روى هارون بن عبد الله الجمال فقال: "جاءني أحمد بن حنبل بالليل – انظروا كيف يكون التصرف – يريد أن يصحح خطأ، فدقَّ عليِّ الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أنا أحمد، لم يقل الشيخ أحمد. فبادرت وخرجت إليه فمسَّاني ومسَّيته.
فقلت: حاجة أبي عبد الله؟ (أي: ما حاجتك؟)
قال: شغلتَ اليوم قلبي.
فقلت: بماذا يا أبا عبد الله؟
قال: جُزت عليك اليوم وأنت قاعد تحدث الناس في الفيء (الظل) والناس في الشمس بأيديهم الأقلام والدفاتر. لا تفعل مرة أخرى. إذا قعدت فاقعد مع الناس".
انظر كيف كانت النصيحة – والذي روى الحادثة ليس الإمام أحمد، وإنما ذلك الشخص الذي تأثر بالنصيحة – انظروا إلى هذا السلوك الطيب: يزوره بالليل، ثم يبدي مشاعره وحرصه عليه – شَغَلْتَ قلبي – لم يقل: أسأت للناس. وهذه وسيلة من الوسائل أن تتحدث عن مشاعرك أنت. فتقول: أنا أشعر أن الموضوع ليس كذا. عندئذ يشعر الشخص بالخطأ ويكون أدعى لقبول النصيحة. وهكذا؛ فإن النظرة إلى الناس يجب أن تكون نظرة إشفاق ورحمة. نظرة الطبيب إلى مريضه، فقد أكون مشفقاً على شخص كنت أنا مثله، أو أن غيري مثله ولا تكون نظرة احتقار وازدراء.
الناس يكرهون من يتسرع في التوبيخ والتأنيب:
الناس يكرهون من يؤنب ويوبخ في غير محل التأنيب، ومن غير تأنٍّ ودون السؤال والاستفسار، وقد يكتشف بعد السؤال والاستفسار أن هناك اجتهاداً صحيحاً، وهناك ظاهرة اجتماعية غير حسنة، وهي أن بعض الناس يظن الصواب في أن يقابل من يعتبره مقصراً باللوم الشديد بقوله: لماذا لا نراك؟ طالت المدة! سنتان لا نراك!
وإذا اعتذر الشخص المُعاتَب فإن صاحبنا يستمر في اللوم والتأنيب، وينسى أن اللوم يمكن أن يوجه إليه أيضاً، وهذا يتأتى من شخص قد تدرب على مثل هذه الطريقة.
وهذا الرجل يفعل ذلك وهو يظن أن ذلك من حسن العلاقة على الرغم من أن هذه القضية ليست صحيحة في نفسها؛ فمن طبيعة البشر أنهم يجتمعون ويتفرقون، والود ليس بالضرورة مقصوراً على من تكثر رؤيته، وقد يضيق الإنسان بتكرار رؤية الذي لا يحبه؛ فقد تتكرر الرؤية لمن لا نحب:
ومن نَكَد الدنيا على الحُرِّ أن يرى *** عـدواً له مـا مِن صَدَاقتـه بُدُّ
وقد يكون الأمر أخف إذا كان الذي يلوم أكبر سناً من المُلام، أما إن كانا قرينين، أو كان الذي يلوم هو الأصغر فتلك كبيرة، ومن عواقب ذلك أن يخسر الشخص الناس فيتجنبوه، ويبتعدوا عنه، وهناك من يلوم بأسلوب لاذع، فيكون أشد من ذلك كأن يقول: "خّربَ بابُنا من كثرة دقك عليه، أو خرب "هاتفنا" من كثرة سؤالك".
وفي القصة الآتية تجلية لذلك الأمر: "ذهب أبو عبيد بن سلام لأحمد بن حنبل فقال: يا أبا عبد الله، لو كنت آتيك على نحو ما تستحق لأتيتك كل يوم، فقال أحمد بن حنبل: لا تقل هذا، إن لي إخواناً لا ألقاهم إلا كل سنة مرة أنا أوثق بمودتهم، ممن ألقى كل يوم".
فليس معنى المودة أن نلتقي كل يوم، وليس عدم اللقاء هو عدم المحبة، ولو تفرغ الإنسان لزيارات الأصدقاء لما وجد وقتاً لأداء واجبات أخرى مثل طلب العلم أو تربية الأبناء.
ولقد أجرى مهندس سويسري دراسة على عدد كبير من العمال فوجد أن عدداً كبيراً من هؤلاء يعتبرون أن التأنيب بدون ذنب أمام الأصدقاء أصعب ما يلاقون من متاعب. وهذه الأمور هامة جداً للذين يتعاملون مع البشر في أي مجال: مجال الدعوة، مجال العمل، ولذلك فقد عُمِلَت دراسات إدارية خلصت إلى أن هناك شيئاً هاماً جداً هو "الارتياح الوظيفي" فزيادة على توافر الاحتياجات الغريزية من طعام وشراب ومسكن، والتي قد تحقق شيئاً من الاطمئنان، إلا أنه لا بد للإنسان أن يكون مرتاحاً في وظيفته، ويشعر بأن له دوراً يرضى عنه، وقد يترك الشخص عملاً إلى آخر أقل راتباً بسبب ذلك الارتياح الذي افتقده في الوظيفة الأولى.
الناس يكرهون من يتمادى في الخطأ رغم وضوح الخطأ:
الناس يكرهون الذي إن أخطأ تمادى في الخطأ، والذي لا يعترف بخطئه برغم وضوح الخطأ، والشخص الذي لا يعترف بالخطأ ويبادر إلى الرجوع عنه بسرعة ليس شجاعاً، وكلما ارتقى الشخص في تربيته وفي علمه اعترف بالخطأ وانسحب بسرعة، فلا يطيل الذيل في الحديث بغية التسويغ. ومن الملاحظ أن كبار العلماء كالشيخ ابن باز لا يتحرج من قول: "سأنظر، سأبحث المسألة" ولا يحط ذلك من قدره.. وقد يتسرع من هو دونه بالفتيا والحديث، وليس من العيب أن يقال: لا أدْري. أو يقال: أخْطَأْتُ.
الناس يكرهون من ينسب الفضل لنفسه:
الناس يكرهون دائماً من ينسب الفضل لنفسه، وإذا حدث إخفاق أو خطأ ألقى بالتبعة على الآخرين، وإذا حدث نجاح نسبه إلى نفسه؛ فكل الناس يبغضون ذلك الإنسان ويكون منبوذاً: يكون زوجاً منبوذاً، رئيساً منبوذاً، صديقاً منبوذاً.
والرئيس بحق هو الذي يسأل عند الإخفاق، وليس الذي ينسب النجاح لنفسه، فإذا أردت أن تعرف من هو الرئيس في أي مؤسسة – اقتصادية، أو تجارية، أو دعوية – فاسأل: من الذي يكون مسؤولاً عند الإخفاق؟ والإنسان السوي يسعد إن أخذ الناس أفكاره، ويعمل دون الحديث عن ذاته. يقول سيد قطب – رحمه الله – في كتيب هو عبارة عن رسالة أرسلها إلى أخته: "التجار وحدهم هم الذين يحرصون على العلاقات التجارية لبضائعهم حينما يستغلها الآخرون ويسلبونهم حقهم من الربح، أما المفكرون وأصحاب العقائد فكل سعادتهم أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها إلى أنفسهم لا إلى أصحابها الأولين. ولذلك يجب على المرء أن يحرص على أن يدع الناس يشعرون أن الفكرة فكرتهم ويتبنونها هم كي يتحمسوا لها ويعملوا بها".
___________________________
الهوامش:
(1) رواه أحمد في مسنده، من حديث المنذر بن جرير عن أبيه.
(2) رواه مسلم في صحيحه، من حديث المنذر بن جرير عن أبيه.
(3) متفق عليه من حديث سلمة بن الأكوع.
(4) رواه مسلم من حديث أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه -.
(5) رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
(6) رواه البخاري من حديث أنس بن مالك.
(7) رواه مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه -.
بتصرف
عبد اللّه بن مبارك الخاطر
الناس يكرهون النصيحة في العلن:
لا يختلف اثنان في أن النصيحة في العلن يكرهها الناس؛ لأن كل الناس يكرهون أن تُبْرَز عيوبهم أمام غيرهم، كل الناس؛ مسلمهم وكافرهم لا يحبون أن يُنْصَحوا في العلن، ولكن إذ أُخِذ الرجل جانباً ونُصِح على انفراد فإن ذلك أدعى للقبول، وأدعى لفهم المسألة، ولأحبَّك الرجل؛ لأنك قدمت إليه معونة، وأسديت إليه خدمة، بأن نصحته وصححت خطأه. ويُعَبِّر الإمام الشافعي – رحمه الله – عن ذلك بقوله:
تعَمَّدْني بنُصْحك في انْفــرادي *** وجَنِّبْني النصيحةَ في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوعٌ منَ *** التوبيـخ لا أرضى استمــــــاعه
فإن خالَفْتني وعصيْتَ قـــولي *** فلا تجْــزَع إذا لم تُعْطَ طاعة
أي: إذا أنت خالفتني في أمر من الأمور وجئت بنصيحتي أمام الناس، فلا تغضب ولا تتضايق إذا لم أستجب لك ولم أطعك؛ هذه طبيعة النفس البشرية إلا من تجرد ووصل إلى حد من التجرد؛ بحيث يقبل النصيحة وإن كان ينزعج أيضاً للأسلوب، وكم من الناس عندهم ذلك التجرد؟!
وكذلك بعض الناس يريد أن تكون النتائج فورية؛ فيُحِبُّ من الناس أن يغيِّروا ما بهم بمجرد أن يُنصَحوا. يريد أن ينصح في المجلس، ويريد أن يستجيب الناس ويغيروا ما بهم في ذلك المجلس! فيكون مخطئاً في تقديره وغير فاهم لطبيعة البشر، إذا لا بد أن يأخذ الناس فترة كافية للتفكير، وفرصة مناسبة للانسحاب.
الناس يكرهون الأسلوب المباشر في النقد:
الناس كل الناس، لا يحبون أن تقال لهم الأوامر مباشرة: افعل كذا، لا تفعل كذا. فطبيعة البشر تأبى ذلك، نعم قد ينفذ الشخص الأمر الموجه، لكن لو قدم له هذا الأمر بطريقة ألطف فإن ذلك أدعى للقبول، حتى ولو كان الأمر من رئيس إلى مرؤوسيه.
وعلى الرغم من أن أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأقواله كان منها أوامر مباشرة إلى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يستخدم أساليب أخرى مثل أسلوب الخبر: يقدم الخبر فيفهم الناس ماذا يريد.
ومن ذلك ما ورد في قصة القوم الفقراء الذين جاؤوا وكانوا كلهم من مُضَر، وتأثر الرسول - صلى الله عليه وسلم - لحالهم من الفقر، فقام وخطب الناس، ثم قال: "تَصَدَّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع تمره"(1). تصدق صيغة ماضٍ. لم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم -: تصدقوا، بل قال: تصدِّق من صاع تمره.. فجاء رجل من الأنصار بصُرَّة كادت تعجز يده عن حملها؛ بل عجزت، وقدمها للرسول - صلى الله عليه وسلم - فاستهل وجهه، وقام الناس وتصدقوا حتى أصبح عنده كومة من الصدقات، وفرح الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: "من سن في الإسلام سنة حسنة.. الحديث"(2).
هناك قضايا لم يأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيها أمراً مباشراً، وإنما تكلم بصيغة الخبر، كما في ذلك الحديث حيث قال: تَصَدَّق، ثم بعد أن فعل الرجل كافأه بتشجيعه، فقال: من سن سنة حسنة.. وهذا يؤدي إلى دعم العمل الصالح.
وهناك أمثلة لمرويات في البخاري: جمع رجل عليه ثوبه – صلى رجل في إزار ورداء – يعني: صلوا في إزار ورداء. فهناك فرق بين أن تطرح الأمر أو تطرح الرأي.
والصيغة لها دور: فرقٌ بين أن يقول أحد المسؤولين: أنا أرى أن (أ) أفضل من (ب)، فيستجيب الموظفون ويطبقون (أ). وبين أن يقول: (أ) أفضل فطبِّقوها. وهناك مثال قد يكون أكثر إيضاحاً: مدرس يريد أن ينقل طاولته، ويريد من الطلبة أن ينقلوها معه، فهناك فرق بين أن يقول: ما رأيكم لو نقلنا الطاولة هذه إلى مكان كذا، أو أن يقول: انقلوا معي الطاولة إلى مكان كذا. فطريقة السؤال أدعى للقبول، وإن كانت النتيجة قد تتساوى في الحالتين.
والقضية الأخرى هي أن تُشْعِر الإنسان بمحبة الأمر حين تعطيه إياه؛ وكان ذلك هو دأب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكان يشوِّق الناس لما سوف يأمرهم به، فلما أراد أن يسيِّر جيشاً، قال: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله"(3). فصار كل فرد يتمنى أن يكون ذلك الرجل. وكما نصح - صلى الله عليه وسلم - أحدَ أصحابه بقوله: "إني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمَّرن على اثنين"(4). فهو يُضَمِّن الأمر نقاطاً تجعل المأمور يحب الأمر. وكذلك فإن قول رئيس لمن يأمره: كلي ثقة بأنك قادر على التنفيذ، أدعى للتنفيذ من قوله: افعل كذا وكذا؛ فالمأمور يريد أن يكون عند الثقة التي أولاها له رئيسه؛ فلا يكون داعيةً طيباً، ولا زوجاً طيباً إلا إذا كان أسلوبه طيباً.
ولقد ثبت بالتجربة أن التنفيذ يكون جيداً إذا فهم المرؤوسون فكرة الرئيس، بأن فهموا الفكرة وعرفوا غاياتها؛ فيزداد الحماس لها، وأيضاً إذا اعتبر المنفذون القضية العامة قضيتهم الشخصية. وكون الإنسان يصل بالناس إلى أن يجعل القضية محل التعامل رغبةً من رغباتهم يدل دلالة واضحة على أنه: داعية جيد، بل زوج جيد، بل هو – كائناً من كان – إنسان جيد.
وإذا بعض الناس ضيوفاً إلى بيته، فإن هناك فرقاً بين أن يأمر زوجته أمراً مباشراً بقوله: اطبخي كذا، ثم يعقب لعد ذلك بالتركيز على السلبيات فيقول: نسيتم البرتقال، لماذا لم تحضروا كذا – نعم هناك فرق بين ذلك – وبين أن يقول: إن ضيوفاً سوف يأتون إلينا، ونريد أن تبيِّضوا وجوهنا، ولا تنسوا أن قضية الطعام هي انعكاس لأهل البيت؛ فتشعر الزوجة عندئذ أن المسألة قضية شخصية، وأن إتقان العمل انعكاس لوضعها في البيت؛ فيكون ذلك أدعى إلى الإتقان.
وكذلك فإن إبراز دور المأمور يعطي نتائج طيبة. فقد حدَّث أحد القادة جنوده قائلاً: إنكم ستتركون مهاجعكم في وضعية ممتازة حتى أتمكن من تقديمها كمثل صالح للجنود الجدد، ولقد كنتم جنوداً ممتازين، وستظلون كذلك حتى آخر لحظة. لقد جعل القائد قضية ترتيب المهاجع وتنظيفها قضيةً شخصيةً للجنود، وكانت النتيجة أنهم تركوا السكن في اليوم التالي في أحسن حال وأجمل حلة.
الناس يكرهون من يركز على السلبيات دون الحسنات:
الناس يكرهون الإنسان الذي ينظر إلى عيوبهم ويترك الحسنات بل وأحياناً ينساها.
خذ مثلاً علاقة المرأة المسلمة بزوجها المسلم والتي يمكن أن يعمم مغزاها في كل قضايا التعامل. يقول - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر"(5). فما أحد يسلم من العيوب؛ فلا توجد زوجة بلا عيوب، ولا صديق بلا عيوب، ولا رئيس ولا مرؤوس بلا عيوب، يقول سعيد بن المسيب: "ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا فيه عيب؛ ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه". فمن كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله، ولا تذكر عيوب أهل الفضل تقديراً لهم. يقول الشاعر:
لا يُزْهِدنَّك في أخٍ لكَ *** أنْ تـــــــــــراهُ زَلَّ زلــــَّـهْ
ما مِنْ أخٍ لك لا يُعابُ *** ولو حَرِصتَ الحِرْصَ كُلَّهْ
وقد نكره أشياء في بعض الناس، ولكن عندما نفتقدهم ونخالط من هم أسوأ منهم ندرك الخير الذي كان فيهم ولم نعبأ به.
يقول الشاعر:
بكيت من عمرٍو فلما تركته *** وجربت أقواماً بكيت على عمرِو
وفي كتاب: "لمحات في فن القيادة" لكورتو وهو عسكري، وقد ضمَّن كتابه خبرات يمكن الاستفادة منها. يقول في كتابه: "هنا طريقتان للحياة: طريقة سلبية قائمة على رؤية مساوئ الرجال والأعمال، تُرى الأخطاء ليس لإصلاحها بل لاستغلالها بشكل هدام والعودة إليها بمناسبة وبدون مناسبة، وطريقة أخرى تنظر إلى الأمور بعين الرضا وتبحث عن محاسن الرجال لتنميتها وتحسينها، وترحم ضعفهم وأخطاءهم، وتعمل على إصلاحها".
والرسول - صلى الله عليه وسلم - يعطينا المثل فيُذَكِّر بفضل الأنصار؛ لأن البشر بطبعهم ينسون الحسنات. فقد أخرج "البخاري" قوله - عليه الصلاة والسلام -: "أوصيكم بالأنصار؛ فإنهم كرشي وعيبتي. (يعني بطانتي وخاصتي) فقد قضوا الذي عليهم. (يقصد أنهم وفوا بما تعهدوا به في بيعة العقبة) وبقي الذي لهم؛ فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم"(6) إن هذا قمة الإنسانية والعدل.
هناك أناس إذا قدم لهم مسؤول أو موظف معروفاً فسرعان ما ينسون المعروف وصاحبه بعد تقاعده، ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يؤكد أن الذي أدى المعروف وهو من أهل الفضل يُذكر فضله ويُغض الطرف عن مساوئه.
الناس يكرهون من لا ينسى الزلات:
الناس يبغضون من لا ينسى زلاتهم، ولا يزال يُذكِّر بها ويَمُنّ على من عفا عنه؛ فالناس يكرهون ذلك الإنسان الذي يذكِّر الناس بأخطائهم، ويعيدها عليهم مرة بعد مرة، والله يقول: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) (آل عمران: من الآية134). إنه سبحانه يمتدح الذين يعفون عن الناس وينسون أخطاءهم؛ والذي أُسْدِيَ إليه المعروف لا ينساه، والعافي عن الناس يستر من يعفو عنه.
ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة"(7). وهذا حديث صحيح.
وهناك مثل أضربه لكم: في مجلس لحاكم قديم شم الحاكم ريحاً من أحد الجالسين، فقال: عزمت عليك أن تخرج – يقصد من أخرج الريح وهو لا يعرفه – وتتوضأ. فقال رجل عالم فاضل: بل اعزم علينا جميعاً فنقوم ونتوضأ. فعزم عليهم وقاموا، وانتهت القضية. إن هذا الموقف الحكيم معروف كبير وإحسان تجاه الشخص الذي أخرج الريح، فقد انتشله من موقف صعب.
الناس يكرهون من يعاملهم باستعلاء:
الناس يكرهون من يعاملهم باحتقار واستعلاء مهما كان هذا الإنسان، حتى لو كان من كان: داعية – عالماً – معلماً – لأنهم لا يحبون مَنْ ينظر إليهم نظرة استعلاء، ولذلك كان هناك حث على أن يكون الإنسان متواضعاً، وإن كان في مقام التعليم أو الرئاسة.
روى هارون بن عبد الله الجمال فقال: "جاءني أحمد بن حنبل بالليل – انظروا كيف يكون التصرف – يريد أن يصحح خطأ، فدقَّ عليِّ الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أنا أحمد، لم يقل الشيخ أحمد. فبادرت وخرجت إليه فمسَّاني ومسَّيته.
فقلت: حاجة أبي عبد الله؟ (أي: ما حاجتك؟)
قال: شغلتَ اليوم قلبي.
فقلت: بماذا يا أبا عبد الله؟
قال: جُزت عليك اليوم وأنت قاعد تحدث الناس في الفيء (الظل) والناس في الشمس بأيديهم الأقلام والدفاتر. لا تفعل مرة أخرى. إذا قعدت فاقعد مع الناس".
انظر كيف كانت النصيحة – والذي روى الحادثة ليس الإمام أحمد، وإنما ذلك الشخص الذي تأثر بالنصيحة – انظروا إلى هذا السلوك الطيب: يزوره بالليل، ثم يبدي مشاعره وحرصه عليه – شَغَلْتَ قلبي – لم يقل: أسأت للناس. وهذه وسيلة من الوسائل أن تتحدث عن مشاعرك أنت. فتقول: أنا أشعر أن الموضوع ليس كذا. عندئذ يشعر الشخص بالخطأ ويكون أدعى لقبول النصيحة. وهكذا؛ فإن النظرة إلى الناس يجب أن تكون نظرة إشفاق ورحمة. نظرة الطبيب إلى مريضه، فقد أكون مشفقاً على شخص كنت أنا مثله، أو أن غيري مثله ولا تكون نظرة احتقار وازدراء.
الناس يكرهون من يتسرع في التوبيخ والتأنيب:
الناس يكرهون من يؤنب ويوبخ في غير محل التأنيب، ومن غير تأنٍّ ودون السؤال والاستفسار، وقد يكتشف بعد السؤال والاستفسار أن هناك اجتهاداً صحيحاً، وهناك ظاهرة اجتماعية غير حسنة، وهي أن بعض الناس يظن الصواب في أن يقابل من يعتبره مقصراً باللوم الشديد بقوله: لماذا لا نراك؟ طالت المدة! سنتان لا نراك!
وإذا اعتذر الشخص المُعاتَب فإن صاحبنا يستمر في اللوم والتأنيب، وينسى أن اللوم يمكن أن يوجه إليه أيضاً، وهذا يتأتى من شخص قد تدرب على مثل هذه الطريقة.
وهذا الرجل يفعل ذلك وهو يظن أن ذلك من حسن العلاقة على الرغم من أن هذه القضية ليست صحيحة في نفسها؛ فمن طبيعة البشر أنهم يجتمعون ويتفرقون، والود ليس بالضرورة مقصوراً على من تكثر رؤيته، وقد يضيق الإنسان بتكرار رؤية الذي لا يحبه؛ فقد تتكرر الرؤية لمن لا نحب:
ومن نَكَد الدنيا على الحُرِّ أن يرى *** عـدواً له مـا مِن صَدَاقتـه بُدُّ
وقد يكون الأمر أخف إذا كان الذي يلوم أكبر سناً من المُلام، أما إن كانا قرينين، أو كان الذي يلوم هو الأصغر فتلك كبيرة، ومن عواقب ذلك أن يخسر الشخص الناس فيتجنبوه، ويبتعدوا عنه، وهناك من يلوم بأسلوب لاذع، فيكون أشد من ذلك كأن يقول: "خّربَ بابُنا من كثرة دقك عليه، أو خرب "هاتفنا" من كثرة سؤالك".
وفي القصة الآتية تجلية لذلك الأمر: "ذهب أبو عبيد بن سلام لأحمد بن حنبل فقال: يا أبا عبد الله، لو كنت آتيك على نحو ما تستحق لأتيتك كل يوم، فقال أحمد بن حنبل: لا تقل هذا، إن لي إخواناً لا ألقاهم إلا كل سنة مرة أنا أوثق بمودتهم، ممن ألقى كل يوم".
فليس معنى المودة أن نلتقي كل يوم، وليس عدم اللقاء هو عدم المحبة، ولو تفرغ الإنسان لزيارات الأصدقاء لما وجد وقتاً لأداء واجبات أخرى مثل طلب العلم أو تربية الأبناء.
ولقد أجرى مهندس سويسري دراسة على عدد كبير من العمال فوجد أن عدداً كبيراً من هؤلاء يعتبرون أن التأنيب بدون ذنب أمام الأصدقاء أصعب ما يلاقون من متاعب. وهذه الأمور هامة جداً للذين يتعاملون مع البشر في أي مجال: مجال الدعوة، مجال العمل، ولذلك فقد عُمِلَت دراسات إدارية خلصت إلى أن هناك شيئاً هاماً جداً هو "الارتياح الوظيفي" فزيادة على توافر الاحتياجات الغريزية من طعام وشراب ومسكن، والتي قد تحقق شيئاً من الاطمئنان، إلا أنه لا بد للإنسان أن يكون مرتاحاً في وظيفته، ويشعر بأن له دوراً يرضى عنه، وقد يترك الشخص عملاً إلى آخر أقل راتباً بسبب ذلك الارتياح الذي افتقده في الوظيفة الأولى.
الناس يكرهون من يتمادى في الخطأ رغم وضوح الخطأ:
الناس يكرهون الذي إن أخطأ تمادى في الخطأ، والذي لا يعترف بخطئه برغم وضوح الخطأ، والشخص الذي لا يعترف بالخطأ ويبادر إلى الرجوع عنه بسرعة ليس شجاعاً، وكلما ارتقى الشخص في تربيته وفي علمه اعترف بالخطأ وانسحب بسرعة، فلا يطيل الذيل في الحديث بغية التسويغ. ومن الملاحظ أن كبار العلماء كالشيخ ابن باز لا يتحرج من قول: "سأنظر، سأبحث المسألة" ولا يحط ذلك من قدره.. وقد يتسرع من هو دونه بالفتيا والحديث، وليس من العيب أن يقال: لا أدْري. أو يقال: أخْطَأْتُ.
الناس يكرهون من ينسب الفضل لنفسه:
الناس يكرهون دائماً من ينسب الفضل لنفسه، وإذا حدث إخفاق أو خطأ ألقى بالتبعة على الآخرين، وإذا حدث نجاح نسبه إلى نفسه؛ فكل الناس يبغضون ذلك الإنسان ويكون منبوذاً: يكون زوجاً منبوذاً، رئيساً منبوذاً، صديقاً منبوذاً.
والرئيس بحق هو الذي يسأل عند الإخفاق، وليس الذي ينسب النجاح لنفسه، فإذا أردت أن تعرف من هو الرئيس في أي مؤسسة – اقتصادية، أو تجارية، أو دعوية – فاسأل: من الذي يكون مسؤولاً عند الإخفاق؟ والإنسان السوي يسعد إن أخذ الناس أفكاره، ويعمل دون الحديث عن ذاته. يقول سيد قطب – رحمه الله – في كتيب هو عبارة عن رسالة أرسلها إلى أخته: "التجار وحدهم هم الذين يحرصون على العلاقات التجارية لبضائعهم حينما يستغلها الآخرون ويسلبونهم حقهم من الربح، أما المفكرون وأصحاب العقائد فكل سعادتهم أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها إلى أنفسهم لا إلى أصحابها الأولين. ولذلك يجب على المرء أن يحرص على أن يدع الناس يشعرون أن الفكرة فكرتهم ويتبنونها هم كي يتحمسوا لها ويعملوا بها".
___________________________
الهوامش:
(1) رواه أحمد في مسنده، من حديث المنذر بن جرير عن أبيه.
(2) رواه مسلم في صحيحه، من حديث المنذر بن جرير عن أبيه.
(3) متفق عليه من حديث سلمة بن الأكوع.
(4) رواه مسلم من حديث أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه -.
(5) رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
(6) رواه البخاري من حديث أنس بن مالك.
(7) رواه مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه -.
بتصرف
الجمعة نوفمبر 08, 2013 10:36 pm من طرف sanaa2014
» أهلا وسهلاً ومرحبا
الخميس مايو 26, 2011 6:56 am من طرف نبض القلب
» أهلا وسهلاً ومرحبا
الخميس مايو 26, 2011 6:55 am من طرف نبض القلب
» طريقه عمل الهامبورجر بالبيت
الجمعة ديسمبر 10, 2010 7:39 am من طرف برنس اليكس
» طريقة عمل الكنافة بالقشطه
الجمعة ديسمبر 10, 2010 7:38 am من طرف برنس اليكس
» طريقة عمل الشاورما بالبيت
الجمعة ديسمبر 10, 2010 7:36 am من طرف برنس اليكس
» طريقة عمل الكبسة السعودى
الجمعة ديسمبر 10, 2010 7:35 am من طرف برنس اليكس
» طريقة عمل الكوارع والمنبار مع الفتة بالصور
الجمعة ديسمبر 10, 2010 7:33 am من طرف برنس اليكس
» فطيرة التفاح حسب وصفة الشيف أسامة السيد
الجمعة ديسمبر 10, 2010 7:31 am من طرف برنس اليكس